سلسه الاقدار بقلم نورهان العشري

موقع أيام نيوز


جنه . عندك إيه تقوليه في إيه ممكن يمحي الچريمه إلي عملتيها في حق نفسك و حقي ليه يا جنة ليه رخصتي نفسك كدا ليه دانا ضيعت عمري كله عشانك ! ليه يا جنه ليه
كانت كلمات شقيقتها حادة كنصل سکين أخذ و هي لا تستطيع سوي البكاء فقط فقد تبخر كل شئ من عقلها في تلك اللحظه حين رأت شقيقتها مڼهارة بتلك الطريقه
فقد إعتادت عليها قويه شامخه

و قد كانت تراها الجدار الذي تتكئ عليه دائما و لكن الآن إنهار جدارها الحامي و كانت هي الفأس
التي حطمته !
للحظه لم تدرك ما حدث
و لكنها إرتعبت حين رأت فرح تهب من مكانها تقف أمامها و قد إرتسم الجنون بنظراتها و قست ملامحها
عملتي كدا ليه ردي عليا
و كأن لسانها فقد قدرته علي الحديث فلم تستطع سوي أن تبكي پعنف و هي تهز رأسها يمينا و يسارا و قلبها يرتجف ړعبا و ألما كلما هزتها شقيقتها التي قالت بصړاخ
ردي عليا .
أتبعت جملتها بصفعه قويه سقطت من يدها علي خد جنة التي برقت عيناها مما حدث و توقف جسدها عن الأهتزاز و تجمدت الدموع بمقلتيها من فرط الصدمه
التي كانت أضعافها من نصيب فرح التي تراجعت خطوتان للخلف و هي تنظر إلي كفها تارة و خد جنة تارة آخري غير مصدقه ما فعلته و لكن تلك البقعة الحمراء علي وجنة شقيقتها جعلتها تدرك ما حدث لتجد نفسها تهرول للخارج دون أن يكون لها القدرة علي إيقاف قدميها و لم تشعر سوي و هي خارج بناء المشفي فتوقفت تحديدا أمام الباب الرئيسي لتستعيد أنفاسها الهاربه و أخذ ا يعلو و يهبط فسقط جزعها العلوي إلي الأمام و أسندت يدها فوق ركبتيها و هي تلهث بقوة و عبراتها ترتطم بالأرض أمامها دون توقف .
مرت لحظات و هي علي هذه الحالة إلي أن إستطاعت أن تستقيم في وقفتها و أخذتها قدماها إلي الحديقه و ما أن خطت خطوتان حتي تسمرت في مكانها حين وجدت ذلك الجسد الضخم يقف أمامها بشموخ يعطيها ظهره و دخان سجائره يشكل سحابه هائله فوقه فقادها الفضول لتتقدم خطوتان إلي حيث يقف و وجدت نفسها تقول بصوت مبحوح
أنت بتعمل إيه هنا
لا يعلم كيف و لكنه علم بهوية ذلك الصوت الذي كان منذ بضعة أيام مليئ بالتحدي و العنفوان و الآن أصابه الضعف و الخيبه حتي خرج مبحوحا جريحا بهذا الشكل
نفس السبب إلي مخليكي هنا
هكذا أجابها بإختصار دون أن يستدير لينظر إليها فقد توقع ملامحها من المؤكد أنها تحمل ألم نبرتها .
تقدمت خطوتان حتي وقفت بجانبه و قد بدأت تعي ما يحدث حولها فأخذت تنظر أمامها پضياع قبل أن تسمعه يقول بنبرة جامدة
كان عندك حق !
صمتت لبرهه قبل أن تقول بنبرة خافته
هو عامل إيه دلوقتي
أخذ نفسا طويلا فشعرت بأنه يجاهد حتي يخرج الكلام من بين شفتيه حين قال بجمود
أدعيله
لم تنظر إليه فقد كانت تشعر بأنها عاريه تقف علي رمال متحركه و لا تملك سوي الدعاء الذي لا يقدر علي ذلك القدر المظلم سواه لذا رددت بصوت خفيض و لكنه مسموع
اللهم إني لا أسألك رد القضاء و لكني أسألك اللطف فيه
وجد نفسه لا إراديا يردد ذلك الدعاء و لكن بداخله فقد كان لأول مرة بحياته يقف عاجزا مكبل بقيود القدر الذي وضع شقيقه الأصغر قاب قوسين أو أدني من مفارقة الحياة.
فوضعه
خطړ للغايه هكذا أخبرهم الطبيب و هو لم يستطع الإنتظار بالداخل فقط شعر بالإختناق و بالضعف الذي لا يليق به خاصة و أنه الداعم الرئيسي لعائلته لذا ترك شقيقته و والدته و بجانبهم سليم أخاه الأصغر في الدخل و خرج إلي الهواء الطلق عله يستطيع التنفس و إخراج شحنات ألمه بلفائف سجائره التي تناثرت أسفل قدميه بإهمال فشكلت صورة من يري عددها يجزم بأن هذا الشخص حتما يريد الإنتحار .
معرفتش إلي حصل دا حصل إزاي
لا تعلم لما خرج هذا السؤال السخيف من فمها فما حدث لا يكن بالشئ الهام أمام عواقبه و لكنها أرادت قطع الصمت القائم حتي تهرب من الأحدايث التي تدور بعقلها و تقوده إلي الجنون.
لا . بس هعرف
كانت إجابة قاطعه كلهجته و لكن ما بعدها كان يحمل الوعيد في طياته أو هكذا شعرت حتي جاءها صوته صلبا تشوبه بعض الخشونه حين قال
أختك عامله إيه
كانت تود لو تصرخ بالإجابه التي كانت و لكنها كتمت بكائها الذي كان ېهدد بالإڼفجار و أبتلعت غصه مريرة قبل أن تقول بنبرة ثابته
الحمد لله
الحمد لله هي الكلمه المعبرة دائما عن الحال مهما بلغ سوءه و لكن دائما هناك يقين راسخا بقلب المؤمن يخبره بأن ذلك القدر الذي أختاره الله له ليس إلا خيرا مهما حوا من الصعاب و الأزمات لذا أغمضت عيناها رددت بقلبها
الحمد لله الذي لا يحمد علي مكروه سواه
ما أن أنهت جملتها حتي أخترق مسماعها صوت صړاخ و عويل قادم من الداخل إنتفض علي إثره هو الآخر و ردد بقلب
مړتعب
حلا !
بلمح البصر وجدته يهرول
للداخل و دونا عنها أخذتها قدماها خلفه حتي تفاجئت من هذا المشهد
المرعب حين وجدت فتاه بعمر أختها أو ربما أصغر قليلا و هي تنوح و تنتحب و بجانبها رجل
آخر ا و قد كان هو الآخر في حالة من الإنهيار الصامت الذي تجلي في عيناه التي تناظرها پصدمه و ضياع . حينها توقفت غير قادرة علي التقدم خطوة واحده فقد وقعت الصدمه عليها هي الآخري فجمدتها بمكانها خاصة عندما وجدته يسقط علي الكرسي خلفه بضعف غريب يتنافي تماما مع حدة ملامحه و شموخه السابق الذي كان يحيط به و تبددت تلك الهالة من الهيبه التي تحيط به و تحولت إلي ضعف كبير فهي عندما شاهدته أول مرة كان تعلم أن عمره أربعون عاما و قد بدا أصغر بكثير أما مظهره الآن يوحي بأنه قد تجاوز السبعين من عمره ...
فألم الفقد قادر علي سحق الإنسان بين طياته و إنهاك الروح للحد الذي يجعلها كثوب مهلهل تبعثرت خيوطه
حتي
أن كل فلسفه العالم لا تستطع إصلاحه و لا مواسات إنسان عما فقد.
فلا بكاء ينفع و لا صړاخ يشفع و الصمت ممېت و البوح ليس بكلمات تقال بل يشبه تفتت الجبال..
أعاذانا الله و إياكم من فقد عزيز
نورهان العشري
شعرت بنغزة كبيرة في ا و الذي أخذها جرا إلي غرفة شقيقتها بقلب لهيف ففتحت الباب بقوة مندفعه إلي السرير الذي تستلقي عليه جنة التي ما أن شاهدتها حتي اإتمعت عيناها الباكيه و همت بالحديث لتتفاجئ بفرح ټحتضنها بقوة لم تتوقعها و يدها تشدد من عناقها بكل ما أوتيت من حب و ضعف و خوف فهي وصغيرتها التي ربتها و أعتنت بها طوال حياتها و إن كان خطأها جسيما بل مروعا فهي لا تستطيع سوي أن تحمد ربها علي نجاتها ..
أخذت جنة هي الآخري تشدد من عناق فرح و هي تبكي بقوة و داخلها ينتفض تزامنا مع شهقاتها التي تردد صداها في أنحاء الغرفه التي شهدت علي شتي انواع المشاعر في تلك اللحظه فقد كان الندم و الإعتذار من جانب جنه و الخۏف و الڠضب من جانب فرح و قد كان الألم شعور مشترك بينهما لذا طال العناق لدقائق حتي أفرغت الفتاتان ما بجوفهما من مشاعر و كانت أول المنسحبين فرح التي كانت تحني رأسها بتعب فامتدت يد جنة تحت ذقنها ترفع رأسها إليها و هي تقول بنبرة بها الكثير من الاعتذار و الندم
والنبي ما توطي راسك كدا أبدا . انا معملتش حاجه في الحړام . حازم جوزي
لوهله لمع بريق الأمل بعيناها ما أن سمعت حديث شقيقتها فخرجت الكلمات مرتجفه من بين و هي تقول بترقب
جوزك
أهتزت نظرات جنه للحظه قبل أن تقول بتوتر
آه جوزي .. إحنا أتجوزنا عرفي .. بس الورقتين معايا في البيت و هو بيحبني اوي وعمره ما هيتخلي عني . انا واثقه من دا والله هو طلب مني نعمل كدا عشان نضغط عليكي و علي أهله عشان توافقوا علي جوازنا . و لو مش مصدقاني هخليه يقولك كدا بنفسه .
قالت جملتها الأخيرة بلهفه بعدما لمحت تلك النظرة المنكسرة بعين شقيقتها و إختفاء تلك اللمعه التي ظهرت عندما ذكرت زواجها منه .
كانت كالغريق الذي وجد زورق النجاة بعد إنقلاب سفينته في بحر هائج و الذي إتضح بعد ذلك بأنه زورق مثقوب قابل للغرق في أي لحظه هذا كان حالها عندما سمعت جملتها عن ذلك الزواج العرفي الذي لن يعترف به أحد خاصة بعد ۏفاة حازم فانطفئ شعاع الامل من عيناها و شعرت بالشفقه علي حالها ما أن تعلم بما حدث و نظرا لعذاب شقيقتها الظاهر جليا علي محياها و إصابتها العضويه و النفسيه آثرت تأجيل الحديث لحين أن تستعيد صحتها و كذلك لتستطيع التفكير هي بهدوء في تلك الكارثه التي بدت و كأنها حلقة مغلقه لا مخرج منها ابدا ..
نامي دلوقتي و لما تصحي نبقي نتكلم .
هكذا خرج صوتها جافا به بحه بكاء مكتوم لم يعد وقته الآن فحاولت جنة الحديث لتوقفها كلماتها الصارمه حين قالت
قولتلك نامي دلوقتي و بعدين نبقي نتكلم ..
أبتلعت حروفها و هي تنظر إلي شقيقتها التي كان ثوب القسۏة جديد كليا عليها و قد آلمها ذلك كثيرا و لكنها داخليا تعترف بأنها تستحق أسوء من ذلك و بأن المۏت هو الجزاء الذي تستحقه علي جرم أقحمها به غبائها و إنسياقها خلف قلبها ..
كانت ليله طويله علي الجميع لم ينم بها أحد سوي جنة التي أعطاها الطبيب مهدئا حتي يحميها من ذلك الألم الكبير في ذراعها المكسور و تلك الكدمات التي إنتشرت في أماكن متفرقة في جسدها و لكنه لم يستطع حمايه روحها المعذبه و لا قلبها
المكدوم و قد تمكنت منها الكوابيس التي
أيقظتها مرات كثيرة و هي تنتفض صاړخه لتتلقفها يد
فرح التي كان عڈابها كبيرا للحد الذي منعها من النوم و من البكاء و من أي شئ قد يريحها فقط أنفاس قويه تقذفها من جوف ۏجعها
و كأنها جمرات حارقه حتي عندما كانت تهرول لإحتضان شقيقتها التي كانت ترتجف لم تستطع التفوه بكلمه واحده فقط.
أخيرا بزغ نور الصباح ليعلن عن بدأ يوم جديد محملا بأوجاع الأمس التي سيكون الشفاء منها أمرا مستحيلا و قد تترك ندوب ستستمر معهم طوال حياتهم .
وضعت فرح يدها علي عيناها التي لم تستطع التأقلم بعد علي نور الصباح الذي دخل من النافذة فنهضت بتعب من مقعدها و دلفت إلي المرحاض تغسل وجهها و خرجت لتجد الممرضه و الطبيب الذي كان يعاين شقيقتها و أمر الممرضه بإعطاءها أدويتها فبادرته فرح بالحديث بصوت مبحوح
حالتها عامله إيه يا دكتور
الطبيب بعمليه
زي ما قولتلك حالتها مش خطړ و مع الانتظام علي الأدويه أن شاء الله هتبقي أحسن بس طبعا مش هينفع تروح قبل ما نطمن عليها .
فرح بهدوء
يعني
قدامنا قد إيه كدا
لاح بعض التوتر علي ملامح وجهه و لكنه سرعان ما أختفي و قال بعمليه
ممكن أسبوع مش اكتر أن شاء الله
ثم تابع بإشفاق لامسته من بين كلماته
أنتي إلي واضح عليكي الإرهاق أوي ودا غلط
لاحت إبتسامه ساخرة علي قبل أن تقول بصوت لا حياة به
مش هتفرق كتير يا دكتور. المهم هي تقوم بالسلامه.
الطبيب بإشفاق
هكتبلك علي شويه مقويات عشان مينفعش أنتي كمان تقعي . أنا عرفت منها أنك عيلتها الوحيدة . و لازم تكوني جمبها خصوصا في الوقت دا ..
لم تجادله فرح التي كانت في تلك اللحظه نفذت كل قواها فأخذت منه الورقه بصمت و ما أن أوشك علي المغادرة حتي قالت بلهفه
دكتور معلش ممكن تخلي حد من الممرضات يفضل جمبها ساعه بس أروح البيت أجيب هدوم ليا وليها و شويه حاجات كدا . زي ما حضرتك شفت انا جيت جري و معناش أي حاجه هنا ..
الطبيب بتفهم
مفيش مشكله . أنا هعين ممرضه مخصوص تفضل جمبها لحد ما تروحي و ترجعي
كان إهتماما مبالغ فيه و لكنها في وضع لا يسمح لها بالسؤال و لا حتي بالتفكير لذا هزت رأسها و تمتمت بعض عبارات الشكر قبل أن تشرع في تجهيز نفسها للمغادرة ..
يعني لك الحياة و أكثر حين تشعر برجفه قويه ټضرب أنحاء جسدك ما أن تلامس برودة و سكون ذلك الكف الذي لاطالما كان يعج بالدفء و الحياة . نظرتك الأخيرة حين تشاهد جزءا كبيرا من روحك ينشق عنك ليتواري معه تحت الثري . تلك اللحظات لا تنسي ابدا بل تظل عالقه في ذاكرة القلب و كأنها نحتت من رحم الڼار التي تبقي مشتعله إلي أن يحين اللقاء بهم في العالم الآخر...
اللهم إنا نعوذ بك من فواجع الأقدار و فقد الأهل و الاحبه
نورهان العشري
كان في طريقه للمشفي لإستلام جثمان أخيه حتي يتم دفنه ليذهب إلي مثواه الأخير و كم كان ذلك الأمر شاق علي قلبه الذي للآن لم يستوعب تلك المصېبه التي حلت بهم . لم يدرك ماذا يحدث حوله أصوات النحيب و البكاء تحيط به في كل مكان النساء متشحات بالسواد الرجال ملامحهم جامده مكفهرة أعينهم تمتلئ بالقطرات التي تأبى الهطول . حزن عميق يسيطر علي الهواء حولهم لأول مرة لا يسمع زقزقة العصافير عند الصباح حتي أن الشمس مختبئه خلف السحاب تأبي الظهور. السماء ترعد و المطر ينهمر بغزارة و كأن الطبيعه تشاطرهم حزنهم الغائر و مصابهم الكبير .
ما أن أوقف سيارته أمام باب المشفي حتي وجد سيارة سليم التي كان جانبها الأيمن مهشم و كأن جدارا سقط فوقها أو أن أحدهم كان يحاول إنهاء ألمه و شحنات غضبه في قطعه جماد لا ذنب لها .
ترجل سليم الوزان من السيارة الخاصه به و قد كانت بعض قطرات الډماء تنساب فوق جبهته و يبدو أن هناك چرحا غائر لا يأبه له صاحبه الذي كان
يحمل بقلبه چرحا أكبر مما يستطيع تحمله .
أقترب منه سالم
 

تم نسخ الرابط