روايه امراه العقاپ
المحتويات
ميرفت وغادرت من جديد لتعود للمطبخ تكمل تجهيزات طعام المساء بينما زينة فما هي إلا دقائق قصيرة حتى لحقت بأمها لكي تساعدها
داخل الاستراحة الخاصة بالمستشفى
تجلس فوق مقعدها حول طاولة صغيرة وعلى الوجه المقابل لها مقعد فارغ أو بالأحرى مقعده حيث استقام منذ لحظات وابتعد عنها لكي يجيب على هاتفه وقد اوصاها بأن تتناول طعامها ومشروبها إلى حين عودته واكتفت هي بالإماءة في موافقة دون أن تتحدث
وجهها المبتهج دائم الابتسام وبات شاحبا تحيط بعيناها الهالات السوداء كانت ترفع شعرها لأعلى في تسريحتها المعتادة لتتركه ينسدل على ظهرها ذيل طويل مرتدية بنطاله الأبيض الواسع واعلان كنزة بحمالات عريضة وفوقها جاكت جينز واسع في الذراعين يعطيها شكل لطيف مقارنة بجسدها المتناسق
كانت عيناها تائهة تحدق في الفراغ پضياع وشريط ذكريات حياتها المأساوية يمر أمامها كفيلم سينمائي وسؤال واحد يدور في ذهنها تستمر
فجأة التقطته عيناها لا تعرف كيف رأته هل ظهر
من العدم أم أنه كان يقف منذ وقت ولم تلاحظه اتسعت عيناها في دهشة وړعب لكن اوهمت عقلها بأنها مجرد تخيلات ولا وجود له كان يرتدي بنطال جينز ضيق يناسب جسده الرفيع وفوقه جاكت أسود اللون يغلق سحابه حتى رقبته وفوق رأسه قبعة يرتديها كنوع من أنواع التخفي لكن تلك القبعة لم تخفيه عنها فتلك النظرة التي بعيناه لن تتمكن من محوها أبدا حتى تلك الندبة التي في يسار وجنته لا تتمكن القبعة من إخفائها وما أكد لها أنه حقيقة عندما عبر أحد من جواره واصطدم بكتفه لم يهتز ولم يحيد بنظراته الثاقبة والمخيفة عنها بل بقى ثابتا كالصخر بأرضه
التجول حولها بحثا عن آدم
على حين غرة اصطدمت بجسدها به فارتدت للخلف وكادت أن تسقط لولا يده التي التقطتها واعادت توازنها كانت ستنطلق منها بين شفتيها صيحة عالية في هلع ظنا منها أنها اصطدمت بذلك الذي تحاول الهرب منه لكن هدأت أنفاسها المتسارعة ودخلت السکينة لقلبها فور رؤيته لتزفر بقوة وتهتف بزعر ملحوظ
تفحص معالم وجهها باستغراب وغمغم بهدوء
كنت برد على التلفون يامهرة حصل إيه مالك
هزت رأسها بالنفي تجيبه بخفوت ورأسها تستمر بالتلفت حولها في خوف
محصلش حاجة أنا جيت اشوفك بس لما لقيتك اتأخرت
أمسك آدم بوجهها وثبته عليه في اتجاهه ليهتف في
لهجة شصارمة
بصيلي يامهرة في إيه مالك بتبصي حواليك پخوف كدا ليه !!
مفيش حاجة صدقني خليك معايا بس ومتسبنيش
ابتسم آدم بساحرية وتمتم في خفوت جميل
ما أنا معاكي أهو هو أنا سبتك !!
بادلته الابتسامة بأخرى مرتبكة وبعد ثواني كان هو يتحرك نحو الطاولة بعد أن أشار لها بعيناه أن تأتي فهرولت مسرعة خلفه تسير بجواره شبه ملتصقة به كطفل صغير يحتمى بوالده وعيناها تتجول في كل بقعة بحثا عن صاحب القبعة لكن لا أثر له
في حاجة حصلت وأنا مش موجود يامهرة شوفتي حاجة أو حد يعني !!
لم تنتبه لكلماته بسبب انشغالها بالتجول بنظرها بحثا عنه في استغراب فقد كان يقف هناك للتو كيف اختفى بهذه السرعة عاد آدم يهتف في غلظة صوته القوى
مهرة !!!
انتفضت وعادت بوجهها لجهته تنظر له ببلاهة قبل أن يتمكن
عقلها أخيرا من ادراك ما سمعه للتو فتهتف في نفى تام وثبات متصنع
لا مفيش حاجة يا آدم صدقني
امال بتبصي حواليكي وبتدوري على مين كدا !
مهرة مخترعة كڈبة حتى تستطيع الفرار من حصاره
أصل شوفت واحدة صحبتي اعرفها ودلوقتي مش لقياها بس شكلي شبهت عليها ومش هي
آدم بنظرة شبه مستنكرة وثاقبة كالصقر
صحبتك !!
أدركت أن كذبتها لم تجدي بنفع معه وأنه كشفها لكنها اكتفت بابتسامتها المضطربة واسرعت تلتقط مشروبها ترتشفه بهدوء وعيناها تتجول بكل مكان عدا وجهه تتفادى النظر إليه عمدا كأنها تتهرب من نظراته التي تخترقها !
سارت باتجاه غرفة مكتبه الخاصة تحمل بيدها كأس ماء ممتلئ وباليد الأخرى اقراص لعلاج الآم الرأس
فتحت الباب في بطء ودخلت ثم أغلقت الباب خلفها واقتربت منه بخطواتها الرقيقة حتى جلست بجواره فوق الأريكة ومدت يديها بكوب المياه والاقراص
كان هو يضع ذراعه فوق عينيه المغلقة بسبب الألم القاسې الذي يضرب برأسه منذ استيقاظه من النوم وعندما احس بوجودها أزاح ذراعه وفتح عيناه يحدق بها وبيديها الممدودة بالماء والعلاج
جلنار في لطف
خد العلاج ده هيخفف ألم الصداع شوية
عدنان باستغراب ونظرات دقيقة
وإنتي عرفتي منين إني عندي صداع !
جلنار ببساطة
واضح ياعدنان وطبيعي جدا يجيلك صداع شديد بعد الحالة اللي رجعت بيها امبارح البيت
مد يده يلتقط اقراص الدواء ليبتلع واحدة منها ثم يجذب كوب المياه ويرتشفه كله دفعة واحدة فوق الدواء ثم نظر لها وتمتم بنبرة لينة
شكرا
سكتت للحظات طويلة حتى تفوهت بهمس ناعم ورقة امتزجت بمعالم وجهها العابسة
مكنتش اقصد
الټفت برأسه تجاهها وتطلعها بحيرة لبرهة حتى أدرك مقصدها فتنهد
وابتسم مغمغما
مكنتيش تقصدي في إي بظبط في إنك مبتحبنيش ولا
قاطعته وتابعت بخفوت
في كلامي عموما ياعدنان يعني كنت متعصبة ومش عارفة أنا بقول إيه !
مال بوجهه عليها حتى لفحت أنفاسه الساخنة صفحة وجهها وتطلع في عيناها بتدقيق شديد هامسا في فحيح مربك
ليه !
لم يبتعد رغم ملاحظته لتوترها بل اقترب أكثر ليتلذذ بذلك الاضطراب الذي نادرا ما يراه على وجهها وأردف بهمس رجولي يذيب البدن
كنتي متعصبة ليه ياجلنار سألتك لو أنا عملت حاجة ضايقتك مني ومردتيش عليا فحابب اعرف كان إيه سبب عصبيتك !
توترت بشدة وفرت الكلمات من عقلها فلم يسعفها لسانها للتفوه بأي
كلمة وتطلعت بعيناه البندقية الثاقبة في لحظات من غياب العقل المؤقت تبدو نظراته قاسېة لكنها تحمل الحنو والعاطفة في ثناياها تلك المشاعر تراها للوهلة الأولى بعينيه التي طالما كانت متحجرة وجامدة كمشاعره وقلبه لا تدري هل عقلها هو الذي يرسخ تلك الأفكار به بسبب ذلك الاعتراف أم أن ما تراه حقيقي بالفعل
!
بدت لها في البداية
شايفة إيه !!
فاقت من تأملها لعيناه على تلك الجملة التي تفوه بها فحدجته بعدم فهم ليكمل بنفس النبرة السابقة يعيد سؤاله بتوضيح أكثر
شايفة إيه في عيوني !
ماذا يحدث لي! لماذا اتطلع إليه كالبلهاء هكذا توقف عن هذه السخافات وعودي لوعيك ياحمقاء ! لم يكن عقلها هذه المرة من يتحدث بل نفسها المتمردة وفورا ارتدت للخلف تبتعد عنه وتجيب بحزم بسيط
هشوف ايه يعني ! مش شايفة حاجة وبعدين أنا هبص لعينك ليه
فشل في حجب ابتسامته أكثر من ذلك حيث ارتفعت لثغره ومط شفتيه بجهل مجيبا بنظرة ذات معنى
لنفس السبب اللي بيخيلني أنا كمان ابص في عينك واتأملها
جلنار بابتسامة ساخرة
وهو ايه ده بقى السبب !
عدنان بلمعة عين مختلفة
إنتي فاهمة قصدي كويس
أدركت ما يقصده فتجمدت قسمات وجهها لثواني قبل أن تهب واقفة وتهتف بعناد وثبات
لا مش صح
القت بجملتها وقررت إنهاء حرب الأعصاب التي تعاني منها فاندفعت نحو الباب حتى تغادر لكنه قبض على كفها يمنعها من التقدم وكأنه قرأ ما كان يدور برأسها اثناء تأملها لعيناه فقرر الرد بفعل بسيط لكنه يعني الكثير
رأته يقرب كفها من شفتيه ويغلق عيناه ليلثم باطنه برقة وعمق تماما كقبلته بالأمس كأنه يرسل لها إشارة من خلالها أنه يتذكر ليلة أمس جيدا وخصوصا اعترافه الذي يؤكده الآن لها بالفعل
تسارعت دقات قلبها الشغوف واضطربت بشدة فسحبت كفها بهدوء بعدما ابعد شفتيه وفتح عيناه ثم أسرعت للباب تفتحه وتنصرف لتقف بالخارج أمامه بعدما اغلقته خلفها
هبطت بنظرها إلى كفها تحديدا لباطنه موضع قبلته فترتفع الابتسامة لشفتيها الجميلة وتغلق على كفها وبشكل لا إرادي ترفعه لشفتيها غير مصدقة ما يحدث
وسط تلك اللحظات سمعت صوت صغيرتها تهتف بتعجب من حالة أمها
مامي !!
فزعت واسرعت بإنزال كفها لتجيب على ابنته بجدية تجسدتها بمهارة
نعم ياحبيبتي
هنا بفضول طفولي واستغراب
بتضحكي ليه !
أشارت جلنار لنفسها باستنكار تنفي سؤال ابنتها
أنا بضحك !!!! هضحك ليه أكيد مش بضحك
يعني ياهنون ادخلي اقعدي مع بابي جوا
ثم انحنت على صغيرتها ولثمت وجنتها بحنو قبل أن تستقيم من جديد وتسير مبتعدة عنها بينما الصغيرة فبقت تتابع أمها بنظرات متعجبة حتى زمت شفتيها بيأس ودخلت لأبيها !
كانت نظرات فاطمة ثابتة على ابن شقيقتها الذي يجلس على المقعد المقابل لها ويعبث بالصحن دون أن يأكل وعلى شفتيه ابتسامة عبثية بسيطة وبتلقائية ارتفعت الابتسامة لثغرها هي الأخرى تضحك بعدم فهم وحيرة على حالته الغريبة
بينما هو فعقله كان مشغول بتلك التي احتلته بشكل عجيب وبسرعة لم يكن يتخيلها قضى الليل بأكمله الأمس يفكر في تلك الخطوة التي يرغب بها وبعد تفكير مليا وطويلا حسم قراره أخيرا سيفعلها لتكون فرصة وبداية جديدة لهم هم الأثنين
فاطمة بضحكة مستغربة
إيه ياولا مالك من أول ما قعدت على السفرة وانت منشكح كدا قولي حتي وفرحني معاك !
رفع حاتم نظره لخالته وتنفس الصعداء بعمق قبل أن يغمز لها بمشاكسة ويميل بوجهه تجاهها هامسا
هحققلك مناكي يافطوم
استغرقت دقيقة كاملة حتى فهمت ما يرمي إليه فصاحت به بفرحة غامرة
هتتجوز ياحاتم !!!
بتلك اللحظة تحديدا كانت نادين تهبط الدرج متجهة إليهم وعند سماعها لصيحة فاطمة بتلك الجملة تسمرت مكانها مدهوشة وبقت تستمع لبقية حديثهم !
اماء حاتم برأسه في إيجاب لخالته التي تابعت بحماس شديد
هااا قولي بقى مين
ست الحسن دي !
أشار بعيناه إلى الطابق العلوى من المنزل غامزا بلؤم ففغرت فمها پصدمة وهتفت بضحكة عالية وسعيدة
وايه اللي حصل فجأة كدا ياحنين وخلاك تغير رأيك مش كان مستحيل ولا يمكن ومينفعش
بادلها الضحك وهدر بمداعبة
القلب وما يريد بقى يافطوم نعمل إيه !
قهقهت بقوة وعيناها تلمع بسعادة نقية وبهجة جميلة بينما نادين فاشتعلت غيظا وتأججت نيران الغيرة بقلبها هل كان يتودد إليها بالنظرات والكلمات ويخبرها بغيرته المباشرة عليها وهو كان ينوي الزواج بأخرى يا لها من حمقاء صدقت مشاعره وأنه حقا يبادلها الحب ! والآن ېغدر بها بأبشع الطرق على الإطلاق
رفعت أنفها لأعلى بشموخ وهبطت الدرج بقوة وثبات يليق بها حتى لو كان مصطنعا لكنها لن تسمح بالظهور أمامه ضعيفة بعد الآن توقفا الاثنين عن الكلام فور رؤيتهم لها تنزل الدرج وتقترب منهم بمعالم وجه ليست طبيعية أبدا جلست فوق المقعد المجاور لفاطمة وغمغمت بخفوت دون أن تعيره ادني اهتمام
صباح
متابعة القراءة